هل تعلم كيف بدأ علم الطبولوجيا؟؟؟
عام 1887 قرر أوسكار الثاني ملك السويد منح جائزة قدرها 2500 كراون لمن يجيب على سؤال أساسي في الفلك, وهو: ((هل المنظومة الشمسية مستقرة؟)). وقد كانت تلك الجائزة نقطة انعطاف رئيسية في تطور الفيزياء الرياضية.
إن الاستقرار مسألة هامة جداً ومعقدة أيضاً. نظرياً تشكل حالات الاستقرار وعدم الاستقرار حلولاً لمعادلات الديناميك الأساسية, أما من الناحية التجريبية فلا يمكن مشاهدة حالات عدم الاستقرار السكونية إطلاقاً لأن أي تأثير خارجي مهما كان صغيراً سيفسدها, وحالات عدم الاستقرار الحركية ترصد كظاهرة انتقالية خلال حركة الجملة من حالتها الأصلية إلى ما ستؤول إليه.
قرر الرياضي الفرنسي ((هنري بوانكاريه)) أن يتناول مسألة الملك أوسكار من جميع جوانبها, لكنه لم يستطع حلها إلا أنه وفي سعيه نحو الحل اخترع نمطاً جديداً من الرياضيات وهو الطبولوجيا ((Topology)) التي وصفت بأنها هندسة الغشاء المطاطي, أو بعبارة أدق: رياضيات الاستمرار. الذي يعتبر من أكثر الخصائص الرياضية أساسية, وهو مفهوم طبيعي لم يتضح دوره الأساسي إلا منذ ما يقرب المائة عام وبلغ من قوته أنّه بدّل وجه الرياضيات والفيزياء.
الطبولوجيا نوع من الهندسة تكون فيها الأطوال والزوايا والسطوح والأشكال كلها متغيرات لا نهائية في الصغر. ويمكن بواسطتها تحويل المربع إلى دائرة والدائرة إلى مثلث, والمثلث إلى متوازي أضلاع. فجميع الأشكال الهندسية الشهيرة هي شكل واحد بالنسبة للطبولوجي.
قد تبدو الطبولوجيا علماً في منتهى التجريد ولكنها جميلة في أعين محبيها, عديمة الأهمية بالنسبة للآخرين, وقد تمتع بوانكاريه بالخبرة الرياضية الواسعة بشكليها التطبيقي والبحت لدرجة أنه كيفما أدار رأسه كانت تطالعه أسئلة لا يمكن الإجابة عليها إلا بالطبولوجيا, سواء في عمله على نظرية الأعداد, التحليل العقدي, أو مسألة الملك أوسكار. وقد أمضى عدداً غير قليل من سنيّ حياته في تطوير الطبولوجيا, فأوجد معظم أفكارها المركزية, ثم تابع آخرون فوضعوا المزيد من التعاريف والمزيد من النظريات, والمزيد من الرمزية والتجريد, وفي منتصف الستينيات استطاعت زمرة من الرياضيين الأمريكيين وزمرة من العلماء الروس قيادة الرياضيات لتعبر أخيراً صحراء الطبولوجيا, وتمت السيطرة على قلاع المسائل الطبولوجية الرئيسية ونسي معظم الرياضيين والفيزيائيين أن الطبولوجيا أتت أصلاً من الفيزياء. ولكن الرياضيات والفيزياء نفسيهما لم ينسيا ذلك على الإطلاق.
بتصرف من كتاب:
The Mathematics of Chaos
إيان ستيوارت